جاري التحميل الآن

العمل عن بعد، خطُ دفاعٍ في مواجهة كورونا 

العمل عن بعد - وظائف عن بعد

العمل عن بعد، خطُ دفاعٍ في مواجهة كورونا 

زاهر هاشم*

العمل عن بعد

تتسارع وتيرة انتشار فيروس كورونا القاتل يومًا بعد يوم، حيث وجد طريقه إلى قارات العالم كافة، وأصبح مصدر قلق وخوف للشعوب والحكومات في أرجاء الأرض، وأدى إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، في أسوأ أزمة صحية تضرب العالم منذ عقود.

وصنّفت منظمة الصحة العالمية انتشار فيروس كورونا كوباء عالمي، ودعت المنظمة الأممية الحكومات إلى تغيير مسار المرض عبر القيام بإجراءات طارئة وحازمة بهدف قمع الفيروس والسيطرة عليه.

وإلى جانب إجراءات الحجر والعزل الصحي للمرضى والمصابين والمشتبه بإصابتهم، اتخذت حكومات دول عربية وعالمية إجراءات احترازية مثل تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وتقليل عدد ساعات العمل، والطلب إلى عدد كبير من الموظفين العمل من منازلهم بهدف الحجر الذاتي، وتقليل فرص الاختلاط والعدوى بالفيروس.

وكان للشركات التقنية النصيب الأكبر من هذه الإجراءات، نظرًا لطبيعة الأعمال التقنية التي يمكن تنفيذ الكثير منها من المنزل بمجرد تأمين جهاز الكمبيوتر واتصال الانترنت والبرمجيات اللازمة للعمل، إضافة إلى منصات التواصل الصوتي والمرئي عن بعد.

فقد طلبت كل من تويتر وفيسبوك وجوجل وأمازون على سبيل المثال من موظفيها في المناطق الموبوءة، العمل من المنزل في محاولة للحد من انتشار الفيروس، كما قامت بتعويض ساعات العمل للموظفين الذين اضطروا للانقطاع عن وظائفهم، ولا يمكنهم تأدية أعمالهم خارج مقرات العمل، وامتد الأمر إلى عدة شركات في دول عربية شهدت أيضاً انتشاراً للمرض.

وعلى الرغم من الآثار الاقتصادية والخسائر المادية الكبيرة التي سببها انتشار الفيروس لكثير من قطاعات الأعمال نتيجة توقف عمليات البيع والتصنيع وإغلاق الأسواق، إلا أن هذه الكارثة أعادت وبقوة مفهوم العمل عن بعد إلى الواجهة، في محاولة لاستمرار عجلة الإنتاج وتقليص الخسائر والوفاء بالالتزامات مع الموردين والمستهلكين.

مفهوم العمل عن بعد 

عند الحديث عن مفهوم العمل عن بعد فإن أول ما يخطر في أذهاننا هو العمل المستقل Freelance الذي يؤدي فيه العامل مجموعة من المهام التي يتم تكليفه بها، من خلال العمل في منزله أو أي مكان آخر يناسبه، وعادة ما يتقاضى أجره بالقطعة، أي مقابل ما ينجزه من أعمال يختارها بنفسه دون الالتزام بعدد ساعات معينة يومية أو أيام محددة خلال الأسبوع، ويكون التزامه الأساسي في تسليم وإنجاز العمل في موعد محدد يتم الاتفاق عليه مسبقًا مع صاحب العمل.

إلا أننا يمكن أن نمدد مفهوم العمل عن بعد ليشمل نظام عمل شبيه بالعمل من المكاتب، أي يلتزم العامل بساعات عمل يومية من منزله، مقابل راتب شهري لإنجاز نفس المهام التي كانت توكل إليه في مكان العمل، وذلك حسب طبيعة هذه الأعمال.

ومن أكثر التخصصات شيوعًا في العمل عن بعد تخصصات التصميم الفني والهندسي، والكتابة الإبداعية والتنضيد والترجمة والتدقيق اللغوي، وتدقيق الحسابات وإدخال وتحليل البيانات، والتسويق والإعلان الإلكتروني، وغير ذلك من الأعمال التي يمكن تنفيذها دون تقييد في الزمان والمكان.

مزايا العمل عن بعد 

لقد ساهم التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات منذ مطلع الألفية الثالثة، في ظهور أنماط جديدة للعمل عن بعد، خصوصًا مع انتشار شبكة الانترنت التي شكلت أحد أهم أدواته، باستخدام تطبيقات وبرامج اتصال وأدوات تبادل فورية للمعلومات، الأمر الذي حقق فوائد كبيرة للعاملين وأصحاب العمل على حد سواء، وتحقيق الفائدة للمجتمع ككل.

فمن أبرز فوائد ومزايا العمل عن بعد، تخفيض نفقات مقرات العمل من أبنية وتجهيزات وأثاث وأجهزة، إضافة إلى التوفير الكبير في الطاقة الكهربائية وتكاليف التكييف والتدفئة. 

كما يوفر العمل عن بعد تكاليف الانتقال، والوقت الضائع للوصول إلى مكان العمل والعودة إلى المنزل، وما ينتج عنه من تأخر متعمد أو غير متعمد، خصوصًا في المدن الكبرى.

ووجدت بعض الدراسات أن العمل عن بعد يرفع إنتاجية العامل، على عكس الصورة النمطية السلبية حول ذلك، على سبيل المثال ومن خلال تجربة أجرتها وكالة السفر الصينية Ctrip على عينة من العاملين عن بعد وأخرى في مقر العمل، أفادت النتائج بأن العاملين عن بعد زادت إنتاجيتهم بمعدل 13.5% عن نظرائهم العاملين في المكاتب، وهو ما يعادل إنتاجية يوم عمل كامل على مدى أسبوع.

وتزداد إنتاجية العاملين عن بعد أيضًا، نتيجة الراحة النفسية والحياة المتوازنة التي يعيشها الفرد مع أسرته، حيث تؤدي ساعات العمل الطويلة خارج المنزل، إلى فتور في العلاقات الاجتماعية داخل المنزل، والابتعاد عن الاهتمام بشئون الأطفال، وترك الهوايات المفيدة، وسوء تنظيم العلاقات الاجتماعية.

كما يمكن للعمل عن بعد تحسين جودة الإنتاج، وذلك بسبب المرونة في الإدارة والتفاعل المباشر بين العاملين، خصوصًا في الشركات الكبيرة المتعددة الأفرع والمتباعدة جغرافيًا.

كما يساعد العمل عن بعد أيضًا في توظيف خبرات وكفاءات كبيرة قد يقف البعد الجغرافي وإمكانية السفر والانتقال إلى مدينة أخرى حائلًا دون توظيفها، كما يتجاوز العمل عن بعد الكثير من العوائق الأخرى التي تمنع توظيف طاقات خبيرة، مثل الإعاقة الصحية أو المرض، أو العوائق التي تحول دون عمل المرأة وانتقالها في بعض المجتمعات.

وعلى صعيد المجتمع فإن بإمكان العمل عن بعد تخفيض نسبة البطالة، وتوفير فرص عمل لسكان المناطق النائية والقرى البعيدة، وزيادة فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ فرص العمل بين شرائح المجتمع المختلفة من حيث النوع والعمر والظروف الصحية والاجتماعية.

وبالإضافة إلى ما سبق، يترك العمل عن بعد أثرًا إيجابيًا على البيئة، من خلال تقليل الازدحام المروري، وتخفيض هدر الطاقة، وتقليل تلوث الهواء، وتقليل فرص انتشار الأمراض والجائحات.

تحديات العمل عن بعد

يمكن للعمل عن بعد أن يؤدي أحيانًا إلى تقليل الإنتاجية، خصوصًا في الفترة الأولى من بدء العمل أو الانتقال إلى هذا النظام الجديد بالنسبة للأشخاص الذين لم يعتادوا عليه.

ويمكن للعمل من المنزل أن يعزز الشعور بعدم التنظيم والعزلة، حيث وجدت دراسة أجريت في العام الماضي على 2500 عامل بعيد عبر الإنترنت، أجراها موقع “بافر” (Buffer) أن العزلة كانت ثاني أكبر تحدٍ تم التصريح عنه من قبل 19٪ من المستجيبين للدراسة، والتي يمكن أن تجعل العاملين يشعرون بدافع أقل للعمل والإنتاج.

ولتجاوز ذلك، فإن الخبراء يوصون بأكبر قدر ممكن من التواصل الأكثر ثراء وجهًا لوجه، وبشكل مباشر من خلال تطبيقات المحادثة والاجتماع عبر الفيديو. 

وتعزز سارة ساتون المديرة التنفيذية لموقع “فليكس جوبز” المتخصص بإعلان الوظائف عن بُعد، فكرة أن البعد عن الأنظار قد يشكل مشكلة حقيقية للعمل عن بُعد، لكنها توصي أيضًا بأن يتواصل العاملون عن بُعد مع زملاء العمل والمديرين بكثافة وانتظام من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب والأدوات.

لهذا السبب يقترح المتخصصون أن تحاول فرق العمل الحفاظ على ما يشبه الحياة الطبيعية والصداقة الحميمة بطرق غير تقليدية، مثل الحفلات الافتراضية أو تنظيم ساعات تواصل واستراحة عن بعد، وترجمة الأنشطة الاجتماعية في المكتب إلى مثيلاتها عبر الإنترنت، وتخصيص وقت للمحادثات غير الرسمية.

أخيرًا فإن التحدي الأكبر أمام العمل عن بعد في الوقت الحالي يتمثل في القلق المستمر والخوف من المرض، والتعرض للأخبار السلبية، ما قد يؤدي إلى ضعف الانتاجية وعدم الاستقرار والتركيز، ونقص الكفاءة في العمل، لذلك فإن من واجب فريق العمل بذل المزيد من الجهد في التواصل فيما بينهم، وتجنب مشاعر العزلة، كما يجب على مدير الفريق الحفاظ على الروح المعنوية العالية لفريقه، والتشجيع المستمر، ومراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعاملين، والمساعدة في التوعية الصحيحة وتجنب الشائعات والأخبار والمعلومات غير الصحيحة التي قد تؤدي إلى إضعاف معنويات العاملين، وتؤثر على أدائهم.

* إعلامي سوري، متخصص في الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي

منشور في مجلة لغة العصر الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية – عدد ابريل 2020

Share this content:

إرسال التعليق